البيان التأسيسي

البيـان التأسـيسي

هذا بيان تأسيسي لـ (حزب الأشقاء) نصدره لا رغبة في إظهار لافتة اتحادية جديدة تضاف إلى لافتات سبقتها , بل هي محاولة لتشخيص ضروري فرضته ملاحظتنا الفشل المتكرر الذي لازم المحاولات العديدة لمعالجة أزمة الاتحاديين التنظيمية و السياسية التي ظلت تراوح مكانها عقوداً من الزمان .. و بما أن الفشل المتكرر الذي لازم محاولات الإصلاح يعني قطعاً خطأ التشخيص , فقد رأينا أن نتخذ منطلقاً مختلفاً استوحيناه من قراءة تاريخية .
نشأت في تيار عريض بين الخريجين دعوة لإنشاء علاقة خاصة مع مصر , إلا أن أصحاب الفكرة قد اختلفوا في تحديد شكل العلاقة , بين داعين لوحدة اندماجية و آخرين  مكتفين بخصوصية في العلاقة  لا تذيب الكيان السوداني .. و استبان الفارق في مسميات التنظيمات , حيث حرصت تنظيمات اتحادية على إبراز صفة الاتحاد أو الوحدة في مسمياتها  مثل (حزب الاتحاديين , و الاتحاديين الأحرار و حزب وحدة وادي النيل) . و لم يحمل حزب الأشقاء في اسمه مدلولا اتحادياً .. لم يكن ذلك لمجرد المصادفة أو لانعدام الدلالة , فقد كان الأشقاء الأكثر (اعتدالا) في تصور العلاقة مع مصر بما يحفظ للكيان السوداني حضوره , مرسخين الأساس الذي أرساه قائد (اللواء الأبيض) علي عبد اللطيف عندما كتب مقاله التاريخي (مطالب الأمة السودانية) ليؤكد برؤية دقيقة أن توجهاته الاتحادية لا تعني إلغاء الخصوصية السودانية .
كان حزب الأشقاء أكبر تلك الأحزاب حجماً ـ بما لا يقارن , و أقواها تأثيراً بما لا يقارن . يظهر ذلك جلياً في وجوده بين الجماهير و في اكتساحه لانتخابات المؤتمر ـ بعد انسحاب الاستقلاليين ـ و  بفارق كبير .. لكن , رغم هذه الحقائق التاريخية الدامغة , فرضت صفة (الاتحادي) على الحزب الذي انضوت تحت لوائه الأحزاب المنادية بعلاقة خاصة مع مصر , فظهر إلى الوجود (الحزب الوطني الاتحادي) و ذاب تماما اسم (الأشقاء) رغم أنه كان المكون الأكبر و الأهم في الحزب الجديد .  يعزى ذلك للظرف الذي نشأ فيه هذا الحزب , حيث كون في مصر و تحت إشراف مباشر من الرئيس المصري محمد نجيب ,
فكان طبيعيا أن تغلب مصر الرسمية ـ و بهذا التمثيل العالي , صفة (الاتحاد) التي تخدم التوجهات المصرية .
أثبتت الأيام في عدة مناسبات أن صفة (الاتحادي) ليست الصفة الأبرز في التوجه الجماهيري للحزب الوليد . و كان الدليل القاطع عندما انحاز البرلمان ذو الأغلبية الاتحادية لخيار الاستقلال , بدون أن يصاب الحزب الوطني الاتحادي بأي اهتزاز . و لو كانت الاتحادية هي المرتكز الأساسي للحزب لأصيب يوم الاستقلال بزلزال مدمر .
 رغماً عن كل هذه الحقائق بقيت الصفة الاتحادية ملتصقة باسم الحزب و كأنها المرتكز الأهم .. لذا لابد ـ في سبيل التصحيح , من تسليط الأضواء على مرتكزات أساسية هي التي حفظت الحزب متماسكاً تلتف حوله الجماهير ـ غير آبهة بتجاوز فكرة  الاتحاد . و تتدافع للقاء قياداته في الليالي السياسية و في مختلف المنابر ؛ فقد  جسدت قيادات الحزب في مختلف المستويات قيماً جديدة , فرأت الجماهير في أبناء من وطنها طلائع يبثون الوعي و يقودون المظاهرة و ينظمون الإضراب و يبنون المدرسة , و يحثون المواطن أن (ارفع راسك حرر نفسك) ..  هي مظاهر معبرة عن مبدأ الأشقاء الأسمى في الحرية و التحرر .. قيم ضخت الحماس في حركة الجماهير بعد أن عايشت لزمان طويل علاقة أساسها الخضوع و الفتور و الرتابة في الكيانات التقليدية .  و كان (الأشقاء) الأكثر تأهيلاً للتعبير و لتأطير  تيار الوعي و الوسطية و الاستنارة ,  امتداداً لمن حاجوا المهدي عند ظهوره , كمثال يميز هذا التيار عن غيره من قوى اجتماعية انتظمت في كيانات أخرى .
 كان من الطبيعي أيضاً أن تكون الديمقراطية مبدأ راسخاً عند الأشقاء ما دامت الديمقراطية هي الوجه السياسي لمرتكز الحرية , المبدأ الذي انطلق منه الأشقاء في معركة تحرير الوطن و حرية المواطن .. فظل الأشقاء أوفياء لمبدئهم الذي آمنوا به  حين أدركوا ببصيرتهم النافذة مزايا هذا النظام الرحب , منذ وقت مبكر لم تكن الديمقراطية فيه موضع إجماع كما هي اليوم ؛ بل كانت فكرة منبوذة عند أدعياء التقدمية و عند الانقلابيين المتمسحين بالديمقراطية .. تجسد الثبات على الديمقراطية في تاريخ قائد الأشقاء إسماعيل الأزهري , فقد ظل ديمقراطياً منذ أن قاد مؤتمر الخريجين , ثم عند توليه رئاسة أول حكومة وطنية بإرادة الشعب . و خضع لقواعد الديمقراطية منتقلا لزعامة المعارضة , و بذل حريته الشخصية ثمنا لاسترداد الديمقراطية , معتقلاً في ناقيشوط و هو يقاوم الانقلاب الأول الذي دبر أصلاً لقطع الطريق أمام الزعيم الأزهري للحيلولة دون عودته ديمقراطياً لرئاسة الحكومة . و ختم حياته مقاوماً لانقلاب مايو معتقلاً في سجون نظام (ديمقراطية الحزب الواحد) .. مسيرة مشرفة تؤكد التمسك المبدئي بالديمقراطية بلا تردد أو لجلجة،  ليقرن الزعيم فعله السياسي بقوله (ما دامت إرادة الشعب هي دستورنا فسنمضي في طريق العزة و المجد) .

وعرف الأشقاء  ـ رواد التوعية و التنوير، بفهمهم المتقدم أن الحرية قيمة تتحقق بها كرامة الإنسان، فاهتموا بقضايا العمال و المزارعين، توعية بحقوقهم وانحيازاً لقضاياهم بفهم وبرنامج حزبي مبرأ من الإفراط الايدلوجي .

هذه هي المبادئ الأصيلة التي صعدت فوقها صفة (الاتحادي) زوراً .. أما (الديمقراطي) الشق الآخر في اسم الحزب، فهو العجب العجاب كما يكشف الاستعراض التالي :

يعرف أن الحكم الثنائي قد أرسى نظاماً تعليمياً حديثاً و مؤسسات اقتصادية و خدمية كبيرة , فكان طبيعيا أن تظهر قوى اجتماعية جديدة بظهور وسائل معرفية جديدة و علاقات إنتاج لم تؤلف من قبل , بإنشاء كلية غردون و مشروع الجزيرة و السكة حديد , و برزت قوى حديثة تتداول لأول مرة مفاهيم و مفردات جديدة مثل النادي و الجريدة و المؤتمر و الإضراب و المظاهرة و الاجتماع العام بل و تقرير المصير .

تصدت هذه القوى الجديدة لمسئوليتها الوطنية , و كان أهم ما أفلح فيه التيار الذي نشأ عنه فيما بعد الأشقاء ثم الوطني الاتحادي , أن عرف كيف يحقق التوازن الدقيق بين قوى الحداثة و القوى التقليدية بحيث تضطلع القوى الحديثة بدورها و واجبها في التخطيط و الإدارة و القيادة .. ذاك التوازن هو الذي  دفع بإسماعيل الأزهري و أشقائه إلى القيادة .

تعرض هذا التوازن لاختبار عندما توهم مرشد الختمية أن جماهيرية الحزب مستمدة من الطائفة , فانفصل بحزب مستقل ظناً منه أنه يسحب البساط من تحت أقدام الاتحاديين غير المرتبطين بالطائفة . لكن ظل الحزب متماسكاً , بل أصبح حزب الشعب الديمقراطي فرعاً , حين  حقق الحزب الوطني الاتحادي في انتخابات 1958 أصواتاً تفوق بها على جميع الأحزاب .

عاد الفرع ـ مستصحباً تجربته الفاشلة , إلى أصله في 1967 ,  ليحتفظ إسماعيل الأزهري بالقيادة من موقع القوة , و يحافظ لقوى الحداثة على موقعها المتقدم في توازن التحالف .. لكن نشأ عن عودة الخارجين على شرعية الحزب المسمى الجديد (الاتحادي الديمقراطي) حين أُخذ من اسم حزب الشعب الديمقراطي شطراً , وكأن الخارجين على الحزب قد كوفئوا على خروجهم , فبقيت التسمية المأخوذة من (الشعب الديمقراطي) مكرسة للانقسام , و مجددة لذكراه .

لم يبق للاتحادي الديمقراطي مسوغ لاسمه ـ الذي تجاوزته الأحداث , و قد أصبح ثقيلاً على الفهم و على الشرح و عديم الدلالة بعد تجاوز مراحل تاريخية سابقة .. فلا مبرر للتمسك به , و بين أيدينا مسمى ناصع يربط جماهير الحزب سياسياً و فكرياً و عاطفياً بحزبهم العظيم , هو اسم  حزب الأشقاء .

يولي الحزب اهتماماً خاصاً للثقافة كأداة لتحقيق التماسك الوطني , و ذلك بتعزيز المشتركات الثقافية . يعتبر حزب الأشقاء اللغة العربية أقوى رباط ثقافي , مكن السودانيين ـ بمختلف ثقافاتهم المحلية , من التواصل .

بعد إقرار هذا المبدأ لابد أن نزيل لبساً لحق بالثقافة العربية حين وقع خلط بين التفوق الثقافي و الاستعلاء العرقي كاد أن ينكر على العربية ـ رغم حيوتها , تفوقها البين . و هو إنكار خطير يحرم الوطن من رباط ثقافي متين و يحرم بنيه من قدر وافر من شتى ضروب الإبداع التي ظل السودانيون فيها متلقين متفاعلين , و منتجين حتى طبقت شهرة بعضهم الآفاق .. و لابد لنا ـ و نحن نصدر هذا البيان التأسيسي , أن نوضح بجلاء أن إيماننا بالبعد الثقافي للعربية لا يلزمنا بعمل عروبي سياسي جماعي , فنحن ملزمون وطنياً بما يحقق مصالح السودان , التي قد تتحقق عبر علاقات عربية ثنائية مثلما قد تتحقق عبر علاقات ثنائية مع دول غير عربية , متجاوزين مراحل تخطاها الواقع حتى صارت مفردات و عبارات مثل (قضية العرب المركزية) طلاسم في قاموس السياسة الجديد .  

ينقلنا ما سبق إلى علاقات الجوار , حيث يؤكد حزب الأشقاء على ضرورة التعايش مع دول الجوار بما يحقق المصالح المشتركة و تبادل المنافع , و يؤكد على خصوصية العلاقة مع مصر بذات الفهم الذي أرساه (الأشقاء) الرواد بلا إفراط و لا تفريط .. علاقة خاصة تقيمها حقائق الجغرافيا و التاريخ و الثقافة ـ و المصالح .. كما يؤكد الحزب على خصوصية العلاقة مع دولة جنوب السودان .

يفصل دستور الحزب المسائل المندرجة تحت مرتكز الحرية الأكبر , مثل الديمقراطية و دولة المواطنة و حقوق المرأة و علاقة المركز  بالأقاليم .

يؤمن الحزب بمبدأ الحوار مع كافة القوى السياسية , إدراكاً من حزب الأشقاء أن الحوار هو أفضل الوسائل لإدارة الخلاف . و يؤكد الحزب رفضه التام للعنف في العمل السياسي و حمل السلاح مهما كانت الذرائع , حتى يكون هذا المبدأ مقدمة صحيحة لتحقيق السلام .
اتخذ حزب الأشقاء علم وفد السودان إلى مؤتمر باندونق ـ العلم الأبيض , علماً للحزب , إحياء لموقف العزة و الشموخ الذي أبداه رئيس وفد السودان في ذلك المؤتمر التاريخي .  
فليعش حزب الأشقاء  قوياً معلياً مبادئ الحرية و الديمقراطية و الكرامة و السلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.