ما بعد التأسيس
يتضح من البيان التأسيسي أن حزب الأشقاء
قد استلهم تجربة الأشقاء الرواد لتكون جذراً للحزب و هو يضطلع كحزب وسطي بمواصلة دوره
في التنوير و التوعية و تعزيز قيم
الحرية .. و نحن إذ نترسم مسار تجربة الأشقاء لا نقف عند مرحلة الانتقال إلى مسمى
(الوطني الاتحادي) و ما أحدثه من إرباك , و من طمس لمبادئ تعلو علي فكرة الاتحاد ,
فهذه احدي مستلزمات التصحيح و ليست كلها . لذا لا بد من النظر بعين النقد إلى
مسيرة التنظيمات التي تفتقت عن بذرة الأشقاء الأولى , معتبرين بالتجربة و الممارسة
السياسية .. هذا بجانب ما يقدمه الحزب الجديد من رؤى مواكبة بالضرورة للمتغيرات ,
و مستجيبة لأسئلة الحاضر الملحة .
تعرض الوطني الاتحادي في الديمقراطية الأولى
لانقسام طائفة الختمية بحزبها (الشعب الديمقراطي) , ثم واجه تحالف الطائفتين ليجسد
الوطني الاتحادي لأول مرة تحالفاً وسطياً مستنيراً غير مستند إلى طائفة , فبدا
الحزب و كأنه لافتة معبرة عن النقاء و
مبرأة من الأخطاء ؛ و هو ما يفسر تمسك تيارات اتحادية بهذا الاسم حتى اليوم ؛ إلا
أن هذا التقييم يحتاج إلى مراجعة , فمسيرة الحزب الوطني الاتحادي غير خالية من
أخطاء كبيرة تحتاج لتصحيح ضروري , حتى لا تكون تجربة حزب الأشقاء الجديد
محاكاة للوطني الاتحادي و تقليداً أعمي بلا استبصار و بلا اعتبار .. فبعد أن قدم
الحزب الوطني الاتحادي صورة ناصعة في الديمقراطية الأولى ـ أي خلال الفترة القصيرة
التي تلت مرحلة التحرر الوطني , ظهرت على الحزب فيما بعد أعراض لضعف فكري , تمثل
أخطرها في مشاركة الحزب مشاركة فاعلة في خطأ حل الحزب الشيوعي السوداني بدوافع
دينية , مخالفاً بذلك مبدأه الأصيل في الحرية و مرتكزه السياسي في الديمقراطية .
يبدو للوهلة الأولى أن ذلك الخطأ كان سياسياً
محضاً , لكن دراسة الواقعة بعمق تكشف أن الخطأ السياسي كان نتاج ضعف فكري , إذ
اكتفت نخبة الحزب بالترويج للحرية كشعار و لم تنفذ إلى لب فكرة الحرية و
استحقاقاتها , فأوقع الحزب نفسه بلا وعي في منظومة الأحزاب الدينية الظلامية التي
لا ترى إمكانية للتوفيق بين القيم الدينية و الحريات العامة .. و كان طبيعياً في
غياب التحصين الفكري أن ينساق الحزب حينها وراء شعار (الدستور الإسلامي) المبهم ,
رغم تهديد الفكرة لدولة المواطنة و تكريسها لدولة الوصاية ..
في غياب المنهج الفكري الذي يقدم فكرة الحرية
كمنظومة متكاملة , أبقى الحزب الوطني الاتحادي ـ فالاتحادي الديمقراطي ـ الدعوة
المعممة لدستور إسلامي على رأس برنامجه طيلة فترة الديمقراطية الثانية ؛ و امتدت
الدعوة حتى الديمقراطية الثالثة , ليرث الاتحادي الديمقراطي الشعار مع تحوير بسيط
حين جعل شعار (الجمهورية الإسلامية) على صدر برنامجه الذي خاض به الانتخابات .. و
بذا شارك الوطني الاتحادي ثم الاتحادي الديمقراطي في التمهيد للدولة الدينية في
السودان .
غياب
البوصلة الفكرية , أدى لأن يسهم الحزب الاتحادي بلا وعي في غرس بذرة الدولة
الدينية . ثم أعلن فيما بعد رفضه لهذه الدولة عندما أصبحت واقعاً , كأبلغ دليل على
حالة التيه الفكري .
انتبه حزب الأشقاء ـ بمتابعته لتجربة
ما بعد التأسيس , لضرورة وجود منهج فكري واضح يتجنب التعميم و اللجلجة و التوفيقية
, و لضرورة تقديم خطاب سياسي متسق مع هذه الرؤية الفكرية .
كان لابد ـ بعد هذا التقديم , أن تكون الحرية
و الديمقراطية المدخل الرئيس لرؤية حزب الأشقاء ؛ فالحرية قيمة أعلى , و
الديمقراطية هي النظام المنظم لحق الإنسان في الحرية , و أفضل نظام سياسي لإدارة
الاختلاف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.