الديمقراطيــة
الديمقراطية هي الوجه السياسي لفكرة الحرية ,
التي هي حق إنساني أصيل لا تتحقق كرامة الإنسان إلا به ؛ إلا أن البشرية أنفقت
زمنا طويلا تختلف حول كيفية تنظيم الحرية السياسية .. و قد انحاز الأشقاء الرواد
للديمقراطية ـ كما جاء في البيان التأسيسي
للحزب , رافضين دعاوى كانت تزعم عدم صلاح التعددية السياسية في بلدان هي أحوج ما
تكون للتنمية و الخدمات الضرورية التي تتحقق بنظام أحادي تؤهله طبيعته لحشد الجهود
و الطاقات لتحقيق هذه الغايات . و ظل الأشقاء يدافعون عن الديمقراطية و يقاومون
الأنظمة الأحادية التي ثبت بالتجربة في السودان و في بلدان أخرى عديدة فشلها و
خطرها . و اتضح بجلاء أن ذريعة توحيد
الجهود في تنظيم واحد و وفق رؤية واحدة كانت مدخلا للتسلط و لآثار سياسية و
اجتماعية خطيرة , حيث شاع الموات و الخنوع و النفاق , في مقابل حيوية و نشاط و
ازدهار و إبداع تنشره الديمقراطية بطبيعتها الكافلة للحريات و المتيحة للاطلاع على
كافة المعارف و الآراء و الخيارات و البدائل , و المعينة على التنافس الحر في مختلف المجالات .. و كانت أسوأ
نتائج الدكتاتورية , المطابقة بين رؤية النظام و الوطنية الحقة , فاعتبر كل مخالف
للنظام خائنا للوطن , و سيق بذلك خيرة أبناء الوطن للسجون و المشانق .
بعد أن ثبت بعد نظر الأشقاء الرواد , و تأكد
صلاح الديمقراطية كنظام يجنب الأوطان الصراعات العنيفة , توافقت جل القوى السياسية
على الديمقراطية كأفضل نظام سياسي تحتكم إليه القوى السياسية المختلفة .
و عليه يؤكد حزب الأشقاء من جديد
مبدأه الأصيل في الديمقراطية كحق دستوري بحيث ينص الدستور أن السودان دولة ديمقراطية
, السيادة فيها للشعب و يستمد الحكم
شرعيته و سلطته من الشعب الذي يعبر عن إرادته عبر انتخابات حرة في نظام
تعددي . و ينص الدستور على الحريات العامة و سيادة حكم القانون و الفصل بين
السلطات و احترام حقوق الإنسان ..
عندما كانت الديمقراطية موضع خلاف بدت و كأنها
برنامج حزبي يخص الأحزاب المنادية بالنظام الديمقراطي , الشيء الذي يتطلب التدقيق
, حيث لا يمكن أن تكون الديمقراطية برنامجاً لحزب و لو كان الحزب الوحيد المنادي
بالديمقراطية . تتضح هذه الحقيقة عندما تصبح الديمقراطية نظاما تتفق عليه مختلف
الأحزاب , فيتوجب حينها أن يقدم كل حزب ما يميزه عن غيره من الأحزاب المشتركة في
الدعوة للديمقراطية ..
عليه يقدم حزب الأشقاء فيما يلي رؤيته
في مختلف القضايا .. و يعتبر الرؤية
الفكرية حول علاقة السياسة بالدين هي الأكثر إلحاحاً , فيوليها الأولوية :
الدين و السياسـة
إعلاء الحزب للديمقراطية كمرتكز أساسي يعني
بكل تأكيد أن السودان وطن كل السودانيين , حيث يتساوى مواطنوه في الحقوق و
الواجبات , و عليه فليس لأية جماعة حق في المطالبة بتمييز ايجابي أو فرض وصايتها
على آخرين . وتزداد أهمية التأكيد على هذا المبدأ بظهور دعاوى ترى أحقية للمسلم
السوداني في التمييز الايجابي على السوداني غير المسلم .
يلزمنا
لتعزيز مبدأ المساواة بين كل السودانيين , شرح أسباب الالتباس الذي قاد لظهور فكرة
الدولة الدينية في مجتمعات المسلمين ـ بمفاهيم تختلف من مجتمع لآخر . بشرح أسباب
الالتباس , و من ثم تفنيد فكرة الدولة الدينية في الإسلام برؤية فكرية ثاقبة , يسقط
تلقائياً خطر التمييز السلبي , وغيره من مخاوف .
يعزى الالتباس المشار إليه لعوامل ثلاثة
:
أولها خطأ يقع فيه العوام بسبب ضعف حركة
التوعية و بسبب تضليل نعرض له لاحقاً .. يخطئ العوام فيظنون أن للإسلام رؤية محددة
لإدارة الدولة , مثل تحديده المفصل لكيفية الصلاة . و عليه يجب على المسلم أن
يلتزم بتصور الدين للدولة حتى لا يخالف أمراً دينياً .
الخطأ الثاني فكري يجعل جماعة متعلمة تطابق
بين النبوة المقدسة التي تقابل تعاليمها بالتسليم , و الخلافة كتجربة بشرية عرضة
للخطأ و غير ملزمة للمسلم . هذه المطابقة منحت الدولة الدينية قداسة بغير سند .
وعمد أصحاب هذا الرأي إلى التعامي عن رؤية
أخطاء شنيعة صاحبت تجارب المسلمين في الحكم ـ بما فيها تجربة الخلافة , عل
التعامي يحفظ قداسة مدعاة لتجارب ما بعد النبوة . و يبدو جليا أن المتوهمين بوجود
(مثال) واحد للحكم هم ضحية لمنهج فكري غير صحيح مكنت له مناهج مدرسية مضللة , و
رسخت هذا الفهم الخاطئ , حيث يتلقى التلميذ درس السيرة النبوية بالتقديس المستحق ,
ثم ينتقل لدرس الخلافة بذات الفهم وكأن الخلافة تحتفظ بقداسة وعصمة النبوة .
الخطأ الثالث متعمد , حيث استغلت نخبة سياسية
الارتباك الفكري المشار إليه فعمدت إلى الترويج لهذه المفاهيم المغلوطة حتى تضفي
على برنامجها الحزبي العادي قداسة دينية , تحصنه من المناقشة و التقييم , و
(تفرضه) كأمر إلهي .
حزب
الأشقاء لا يرفض فكرة الدولة الدينية
لما تحمله من تمييز سلبي لغير المسلمين في الوطن فحسب , بل إن الحزب يرفض
هذا الفهم للدولة و لو كان كل سكان السودان مسلمين , ذلك لأن الدولة ـ كفكرة
سياسية ـ تتعدد أشكالها و تختلف مضامينها . هذه الحقيقة تحتم وجود مفاهيم , و من
ثم تيارات و تنظيمات مختلفة في المجتمع ـ و لو كان كله من المسلمين . و لا يحق لأي
من هذه التيارات أن يصف نفسه بأنه إسلامي و لو أكد على كل المبادئ
الديمقراطية ؛ فغيره ممن يصف نفسه
بالإسلامي أيضاً يرى تعارضاً بين الإسلام و الديمقراطية و ثالث يوائم بين الإسلام
و الاشتراكية و رابع يرى الاشتراكية كفراً و خامس يرى أن تحريم الفنون و سبى
النساء و استرقاق الرجال من أركان دولة الإسلام المجاهدة .. لذا يصبح ضرورياً عدم
إلحاق الصفة الإسلامية بالدولة أو ببرنامج الحزب لأنها لا تفيد معنى محدداً ..
فإذا كانت تعني المبادئ الديمقراطية التي ينادي حزب الأشقاء بأن تكون مبادئ
دستورية فإن ذكر الإسلام يكون تزيُداً .. و تُرفض صراحة أية دعوة للنص على الإسلام
في الدستور إذا قصد به دولة الدكتاتورية أو
دولة السبي و الاسترقاق .. لذا
يصبح من الضروري إبعاد مصطلح لا يفيد إقحامه غير البلبلة والإرباك .
و عليه فنحن في حزب الأشقاء نرى ضرورة
الاكتفاء بالنصوص الديمقراطية الصريحة الواضحة الكافية و تجنب مصطلح الإسلام حمال
الأوجه , بدون أن نقع في فخ مصطلح العلمانية المختلف على تعريفه .
الديمقراطية و الدولة
إن أخطر تداعيات تغييب الديمقراطية هو إفراغ
مفهوم الدولة من مضامينه , و ذلك بتعطيل ضوابط الدولة المتعارف عليها ؛ فالقوة
السياسية المسيطرة على مقاليد الحكم في النظام الأحادي لا ترغب بطبيعتها في ضوابط
تحد من استبدادها السياسي و فسادها الإداري و المالي .
تتضح
أكثر أهمية الالتزام بضوابط الدولة بملاحظة الآثار المدمرة التي لحقت بالوطن نتيجة
للتراخي و التهاون في ضوابط الدولة .. يقدم حزب الأشقاء تجربة حكم الإنقاذ ـ التي
اتصفت بكثير من مظاهر الفشل و الفساد , مثالاً واضحاً لمردود الاستخفاف بضوابط
الدولة ؛ حيث صارت الفوضى سمة بارزة في إدارة الدولة في كل مستوياتها , من حدود
دنيا مثل تغييب الإيصالات المالية في التعاملات اليومية انحداراً إلى التعتيم في
إدارة العطاءات و التسيب في ضوابط الاستثمار و هبوطاً إلى قاع تعطيل ديوان المراجعة . و عليه يمكن القول إن من المفاتيح الرئيسة
للإصلاح السياسي و الاقتصادي في السودان إعادة ضوابط الدولة , و لن يتأتي ذلك إلا
في ظل نظام ديمقراطي لا يمكّن السلطة من التهرب من الضوابط و الرقابة و المحاسبة .
و
فيما يلي تفصيل أكثر لفكرة الدولة يكشف حتمية الارتباط بين الديمقراطية و مبادئ
دولة الحكم الراشد :
الدولة فكرة بلغت مرحلة كمالها بنشوء السلطة
السياسية التالية للنشاط المجتمعي , لتنبثق السلطة السياسية معبرة عن المجتمع
بدرجة أو بأخرى , و منظمة و ضابطة لحركته و حراكه .. بلغت البشرية مرحلة الدولة
بعد تراكم معرفي هائل و تجارب كثيرة . وفدت فكرة الدولة الحديثة إلى مجتمعنا من
خارجه عبر عملية التثاقف الإنساني , فعرفنا في السودان الدولة بسلطاتها الثلاث المستقلة عن بعضها
البعض ؛ جهاز تنفيذي بتخصصات مختلفة يخضع لرقابة الجهاز التشريعي و لأحكام السلطة
القضائية , و مؤسسات و دواوين و آليات خدمة مدنية , و جهاز مصرفي , و قوات نظامية
؛ و غير ذلك من مؤسسات تتكامل كلها و
تتناغم في النظام الديمقراطي , و تصبح أشكالاً خاوية في الحكم الدكتاتوري الذي
يتصف بحكم الفرد , أو بتغول السلطة التنفيذية .
يعد من حسن طالع الأجيال المتأخرة أنها وجدت
فكرة الدولة مكتملة ناضجة فلم يضطر المتأخرون لمعايشة حالة التجريب الشاقة .. و
عليه , يضع حزب الأشقاء الاعتبار الكافي لهذه الحقيقة , منطلقاً من حيث
انتهت التجربة الإنسانية , متجاوزاً أية مزالق تضيع الجهود و الأزمان مثل دعاوى
غربة تجارب الآخرين .
من الأساسيات التي يركز عليها الحزب لبناء
دولة حديثة , بناء قاعدة بيانات دقيقة حتى توضع السياسات وفق معلومات صحيحة .. أهم
مرتكز لهذه القاعدة الإحصاء الشامل . و بما أن الإنسان هو هدف كل برنامج حزبي ,
فإن التعداد السكاني هو أهم أركان الإحصاء ؛ به يعرف عدد سكان السودان و توزيعهم و
التصنيف النوعي و العمري و التأهيل , و تلاميذ المدارس و طلاب الجامعات , و التخصص
المهني و الحرفي , و غير ذلك من أساسيات التعداد الشامل حتى توضع خطط إدارة الدولة
وفق معلومات دقيقة .
قاعدة البيانات تشمل كل المعلومات المهمة ذات
الصلة بوضع السياسات , فتتسع لتشمل إمكانات الاستثمار و عائداته ومستويات الدخول ,
فتضع الدولة بذلك سياسة منصفة تحدد الذي يدفع الضريبة و تحدد من يستحق الدعم .
و تشمل قاعدة البيانات موارد الدولة الطبيعية
و توزيعها من الناحية الجغرافية حتى يتسنى وضع الخطط المثلى لاستغلال الموارد في
الزراعة و التصنيع و التعدين و غيرها .
حزب
الأشقاء ـ حين يحرص على التأكيد المستمر على ضرورة الديمقراطية , لا يغفل عن
الحقيقة الساطعة بأن الحياة الكريمة تتحقق بشقي الحرية و الخبز . لذا يطرح
الحزب رؤيته الخاصة بالشق الاقتصادي حتى
تكتمل رؤية الحزب عن معاش المواطن . و مثلما شاعت مقولة " ليس بالخبز وحده
يحيا الإنسان " للتنبيه إلى ضرورة الحرية , لا بد أيضاً من التنبيه إلى
أن الحريات وحدها لن تكون بديلاً عن الخبز
و الخدمات الضرورية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.