الاقتصـاد

الاقتصاد

تتفق كل المدارس الاقتصادية على أن الإنتاج هو عماد الاقتصاد . و تختلف في علاقات الإنتاج بين مدرسة تدعو للسوق الحر وفق مبادئ الرأسمالية التي تتيح التنافس الحر الذي يفضي لإنتاج أكثر و خدمات أفضل , و مدرسة اشتراكية ترى أن الرأسمالية تعني استئثار فئة صغيرة بعائدات الإنتاج الشيء الذي يربط بين فكرة السوق الحر و الاستغلال . لذا تنادي المدرسة الاشتراكية بسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج لضمان توزيع الإنتاج من البداية بما يكفل حقوق الجميع .
انتزعت الاشتراكية بضغوطها اعترافات ضمنية من الرأسمالية بوجود ثغرات في هذا النظام , فسعت الرأسمالية إلى تحسينات في نظامها بتوسيع المظلة الضريبية و زيادة نسبة  ضرائب الأرباح و تدابير للضمان الاجتماعي ؛ بل إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد طبقت نظاماً للرعاية الصحية مستوحى من المدرسة الاشتراكية .
ظهرت إثر صراع المدرستين دعوة إلى وجود القطاعين العام و الخاص معاً , و هي دعوة لا تجد الترحيب من أنصار المدرستين باعتبارها حلاً توفيقيا غير عملي .
على هذه الخلفية يقدم حزب الأشقاء رؤيته المنطلقة من فكرة إمكانية تفعيل القطاعين معاً , إذ لا تحول بين هذا الخيار توفيقية مدعاة أو مثالية , و تتلخص رؤية الحزب في الآتي :
ينطلق الحزب من فلسفة تعزز الشعور الشعبي  بالحضور و المشاركة . يبرز ذلك سياسياً في الانحياز الكامل للديمقراطية ـ كما أسلفنا . و يتحقق هذا المبدأ في ميدان الاقتصاد بوجود قطاع عام قوي و فاعل , ذلك أن القطاع العام يمثل مختلف فئات الشعب . و هو  ـ بهذه الصفة ـ الأكثر تأهيلاً لأن تسند له الدولة مسئولية الخدمات الضرورية و حاجات الشعب الأساسية , لتضمن الدولة انسياب الخدمات و تلبية الحاجات بلا خوف لأي انسحاب محتمل للقطاع الخاص من ميادين حيوية وضرورية , أو فرض شروطه .
و عليه فإن الرعاية الصحية و التعليم مسئولية الدولة تنهض لها عبر القطاع العام بمؤسساته الصحية و التعليمية الحكومية , و يكون للقطاع الخاص دور مكمل و منافس .
بعد أن يلعب القطاع العام دور الضامن في تقديم الخدمات الضرورية في مجالي التعليم و الصحة , ينشط هذا القطاع  في ميادين أخرى يلعب فيها أدواراً مختلفة , إذ تدعم تجارب سابقة للقطاع العام فكرة تولي القطاع إدارة مؤسسات و مشاريع كبيرة , كما كان الحال في السكة حديد و الخطوط البحرية و الخطوط الجوية و المشاركة الحكومية في المشاريع الزراعية المروية . كما للقطاع العام دور مشهود في خدمات المياه والإمداد الكهربائي .
تقل ضرورة وجود القطاع العام في ميادين أخرى , يفضل أن يترك فيها زمام المبادرة للقطاع الخاص ـ بالأخص في ميادين سبق للقطاع الخاص أن حقق فيها نجاحات مشهودة مثل الزراعة المطرية و الصناعات التحويلية و النقل . أما النشاطات الصغيرة مثل ورش الحرفيين و المتاجر و المخابز و أشباهها , فلا يدخل القطاع العام فيها و تترك للقطاع الخاص , كما يناسب بعضها التعاونيات .
يهتم الحزب في قطاع الخدمات اهتماماً استثنائياً بالإسكان باعتبار المسكن من ضرورات الإنسان , و لما لحق هذا القطاع الخدمي المهم من تقصير و أخطاء إدارية و اقتصادية و فنية توجب إصلاحات ضرورية تلخصها رؤية الحزب في الآتي :
 عدم الركون لطريقة التمدد الأفقي المتواصل عبر خطط إسكانية مكررة تكتفي فيها الدولة بتوزيع قطع سكنية على مدى أفقي واسع , غير مصحوب بالخدمات الضرورية , الشيء الذي ترتب عليه ترهل المدن و ما يصحبه من صعوبات إدارية .
 وقف الاعتداء على الأراضي الزراعية الخصبة القريبة من الأنهار , حيث درجت الدولة على تحويل الأراضي الزراعية المنتجة إلى مناطق سكنية , ثم التصديق بمزارع في أماكن بعيدة من النهر يطلب من أصحابها حفر آبار لري مزارعهم !
 العمل على خفض تكلفة بناء المسكن بالإعفاءات الجمركية لمواد البناء .
الاستعانة بالجهات الفنية المتخصصة و بيوت الخبرة في تقديم أنموذج المسكن الاقتصادي في القرى و الأحياء الشعبية , الذي يحقق لأصحاب الدخول المحدودة معادلة التكلفة الأقل و المسكن اللائق .
تشجيع البناء الرأسي ـ ما أمكن , بدعم مبادرات القطاع الخاص و بتوفير المعينات من إمداد كهربائي ضروري للمصاعد , و خدمة المياه و بناء شبكة صرف صحي .. و تعميم فكرة مجمعات البناء الرأسي للمهنيين و النظاميين ؛ و تشجيع شراكات أصحاب الأراضي في المواقع ذات الجدوى التجارية  مع شركات المقاولات ..
تجميع القرى الصغيرة في قرى نموذجية كبيرة بما يسهل تقديم الخدمات الضرورية .
إصلاح وضع قرى العمال الزراعيين في المشاريع المروية و مشاريع الزراعة الآلية المطرية .
وضع ضوابط صارمة للهجرة الأجنبية بما يحمي الخطط الإسكانية من كثافة سكانية مفاجئة , و بما يربط بين استقدام الأجانب وحاجات الوطن الضرورية من عمالة ماهرة و خبرات مهمة .
و غير بعيد عن موضوع الإسكان أيضاً , لا بد من تصحيح سياسات التنمية حتى تنمو مدن جديدة , فتصحح خريطة توزيع المدن في السودان ؛ فقد حالت التنمية غير المتوازنة دون التطور الطبيعي التلقائي لمدن في مناطق الإنتاج الوفير ؛ فبدلاً من ظهور صناعات الزيوت و الألبان و النسيج و الصناعات الجلدية في تلك المدن الصغيرة كتطور تلقائي , نشأت هذه الصناعات ـ بتخطيط من الدولة , في العاصمة القومية , فترهلت بأحيائها المخططة و عشوائياتها و زحامها , وضمرت مدن كانت مؤهلة للنمو و لإبقاء مواطنيها فيها مستثمرين و عاملين , و مواطنين فاعلين في مناطق غنية تنعم بمؤسسات التعليم العالي و المستشفيات المتخصصة و المطارات و وسائل الترفيه . 

 يقف حزب الأشقاء وقفة خاصة عند نشاطين اقتصاديين يرى الحزب ضرورة إحداث تحول جذري فيهما , هما النشاط  الرعوي و السياحة .
في قطاع الرعي يقدم الحزب رؤية ذات بعدين : اقتصادي واجتماعي .. يلاحظ أن الرعي في السودان نشاط اقتصادي متخلف ظل لقرون على نمط تقليدي أقعده عن الانطلاق رغم الإمكانات الرعوية الهائلة , و أضر بالرعاة فعزلهم في حياة اجتماعية بائسة , حرموا فيها من خدمات أساسية ـ على رأسها التعليم , و ابتعدوا عن المشاركة في الحياة العامة , فلا يسمع لهم صوت و لا يعرف لهم رأي . كما يعرض النمط التقليدي الحالي حياة الرعاة ـ خلال تجوالهم في المراعي , إلى احتكاكات دائمة تراق فيها الدماء .. لإخراج الرعاة من هذه الحياة البائسة و لمضاعفة ناتج النشاط الرعوي تبادر الدولة بإنشاء مصانع الأعلاف المركزة و مصانع الألبان و اللحوم و المسالخ و الصناعات الجلدية و تعميم  طريقة الحظائر المغلقة , مع تشجيع القطاع الخاص و تحفيزه للمشاركة في أحداث النقلة المطلوبة . ..
في  السياحة : يعرف أن للسودان مقومات و إمكانات سياحية كبيرة , تتمثل في طبيعة جاذبة بحكم تنوع و اختلاف المناخات و التضاريس , مع معالم طبيعية مهمة مثل نهر النيل و البحر الأحمر .. و للسودان تراثه التاريخي الذي تعبر عنه آثار حضارته التليدة التي تجد اهتماماً عالمياً لا يقابل باهتمام وطني مماثل .
إمكانات السودان السياحية في حالة كمون , إذ لم توظف بما يناسب قيمتها السياحية , الشيء الذي أفقد الاقتصاد السوداني مورداً متاحاً . تبادر الدولة عبر القطاع العام و بتشجيع منها للقطاع الخاص على تنشيط السياحة بما يجعلها أحد أعمدة الاقتصاد . و يكون ذلك  بالإعلام الكافي للتعريف بإمكانات السودان مع جهود موازية في خدمة السياح بالعمل على تنقلهم السهل إلى المواقع السياحية و توفير أسباب الإقامة المريحة فيها .. و يكون ذلك بإنشاء المطارات و غيرها من وسائل النقل الداخلي , و بناء الفنادق و الاستراحات .. و توفير معينات العمل للمؤسسات السياحية المتخصصة  و بيوت الخبرة الوطنية و الأجنبية حتى تقبل على الاستثمار في هذا الميدان المهم  .

تصب الخطط الاقتصادية المذكورة في محصلة الاقتصاد الكلي لتحقيق النمو الاقتصادي الذي يتم بزيادة أو مضاعفة  الإنتاج و ضبط الإنفاق , و ما يصحب أو يتبع ذلك من ارتفاع دخل الفرد و توفير الاحتياجات الضرورية و زيادة فرص العمل ؛ و دعم ميزان المدفوعات , و تقليص العجز و كبح التضخم .
 يعزز تفعيل القطاعات الإنتاجية و الخدمية التي ورد ذكرها المواكبة و التوظيف الأمثل للتقدم التقني و الاهتمام بالتدريب و التأهيل لاكتساب و زيادة المهارات .

في السياسة النقدية , يعتبر البنك المركزي المحور الرئيس في هذه السياسة , فيحفظ له دوره المعهود  في إدارة احتياطات النقد الأجنبي , و من ثم دعم سياسات الصادر ؛ و في الإشراف على الجهاز المصرفي و ما يليه من تمويل للاستثمارات و حفظ  للمدخرات . و لا يتعرض البنك المركزي لأية تدخلات حكومية سالبة مثل التمويل بالعجز و غير ذلك من قرارات سياسية تؤثر سلباً على الاقتصاد .
لا بد لنا  عند تقديم هذه الرؤية الاقتصادية من الإشارة إلى كيانات تكمل النشاط الاقتصادي , أهمها التنظيمات ذات الصلة بسوق العمل مثل النقابات و الاتحادات التي تحقق التوازن بين حقوق العاملين و مصالح أصحاب العمل ؛ و تنظيمات الحكم المحلي في مستواه الأدنى التي يمكنها وضعها الإداري من الإشراف المباشر على خدمات معيشية و تشغيل منافذ التوزيع و تكوين الجمعيات التعاونية و تزكية طالبي التمويل الأصغر و  ترشيح المستحقين للدعم و غير ذلك من مهام تتطلب المعرفة اللصيقة بالمواطن .
و حزب الأشقاء إذ يضع رؤيته الاقتصادية يدرك تماماً أن القطاعات و الخطط المذكورة في الرؤية ليست غايات لذاتها , و أن قيمتها في مدى صلاحيتها كوسائل لتحقيق الغاية الأسمى و هي الحياة الكريمة للمواطن .










   







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.