من وحي دستور الحزب
هذه وقفات عند بعض بنود دستور حزب الأشقاء
التي توحي بمعاني و مفاهيم لا يسعها النص الجامد . يهدف هذا الباب من (الدليل) إلى
ترسيخ هذه المعاني لدى عضوية الحزب , و ذلك بتسليط أضواء عليها , و التنبيه إلى ضرورة
تجسيد بعضها في سلوك عملي ـ كما توضح أمثلة نوردها في هذا الباب , للتأكيد على أن
الوعي بالمعاني وحده قد لا يكون ذا نفع ما لم يترجم إلى سلوك يلتزم به العضو
.
نص الدستور على لا مركزية الحزب , و
هي أبرز المعالم التنظيمية في حزب الأشقاء , حيث تخلصه تماماً من احتمالات
الوصاية المركزية , إذ يمنح الدستور لجنة الولاية استقلالية واسعة تمكنها حتى من
تحديد مرشحي الحزب للمجالس الولائية بل و لرئاسة الولاية . كما نص الدستور على
اكتساب رؤساء لجان الولايات عضوية المكتب السياسي تلقائياً . هذه ملامح تنظيمية
مهمة تخلق التوازن الضروري بين المركز و الأطراف .
اللامركزية تجعل أيضاً اكتساب العضوية يسيراً
بحيث يتاح لكل من يقتنع بأفكار و مبادئ الحزب أن ينضم للحزب بالاتصال المباشر بأقرب
وحدة تنظيمية من ناحية التسلسل التنظيمي ؛ فهذه ميزة تناسب طبيعة الحزب الجماهيرية
كما تناسب بعده عن التعقيد الايدولوجي الذي سنعرض له .
التبسيط المعين لا يقف عند العتبة التنظيمية
بل يتعداها لـطرح الحزب السياسي المباشر المبتعد عن الإفراط الايدولوجي و
المبرأ من التقعر السياسي , و هو ما يجعل برامج الحزب مرتبطة ارتباطاً مباشرا
بتطلعات المواطنين عبر برامج للخدمات و
التنمية , حيث نص دستور الحزب على حق المواطن في التعليم و الرعاية الصحية و
الخدمات الضرورية , و على الاهتمام بقضايا المياه و البيئة و الإسكان و الطاقة ,
كأمثلة لبعض تطلعات و هموم الناس .
يتبع التبسيط التنظيمي و تبسيط الطرح الفكري
و السياسي تبسيط للمظهر القيادي , بتجريده من بهارج زائفة صارت سمة للعمل السياسي
حين تعرض لداء الوجاهة الاجتماعية التي جردت العمل السياسي من جوهره و جعلته مطية
لإشباع ميول ذاتية فارغة . و انسجاماً مع تبسيط التنظيم و الفكرة , و تجنباً
للقشور و الخواء ـ يقدم حزب الأشقاء القيادي المنشغل بتحقيق الآمال المرجوة ببساطة
ـ بلا تعقيد و لا زيف و لا ضوضاء .
امتاز
دستور حزب الأشقاء أيضاً بـالنص على الاهتمام بشريحة المعلمين , و
تخصيص أمانة للمعلمين ضمن أمانات الحزب . هذا الاعتراف بالدور الخاص الذي يضطلع به
المعلم , يعني بالضرورة أن تتضمن برامج الحزب خططاً لتأهيل المعلم بما يعينه على أداء
رسالته المهمة على أكمل وجه . يأتي على رأس خطط الحزب الخاصة بالتعليم
الالتزام بشروط خدمة مجزية تجعل المعلم في وضع معيشي و
اجتماعي يتناسب ورسالته . و يعمل الحزب
ضمن خططه على التأهيل المستمر للمعلم حتى يؤدي دوره المنتظر داخل المدرسة و خارجها
, إذ يدرك الحزب أيضاً دوراً مقدراً للمعلمين في التغيير الاجتماعي , خاصة في
الأرياف , حيث شهدت كثير من أرياف السودان جهودا طوعية للمعلمين في التوعية و
التثقيف و المشاركة .
عند قراءة الفصل الثاني (المبادئ و الأهداف)
مع الوسائل , نقف عند :
(المبادرة
و المشاركة في العمل الطوعي و إنشاء و رعاية تنظيمات تنشط في هذا المجال) هذا يعني
بالضرورة أن عضوية الحزب ملزمة بنشاط مجتمعي مثمر , الشيء الذي يتطلب
استعداداً للمبادرات و المسئولية المجتمعية . و لا يكون ذلك إلا بأن يضطلع الحزب في
مختلف مستوياته التنظيمية بمهام ضرورية في
صقل و تدريب و إعداد عضويته بدورات تدريبية و تثقيفية و تأهيل فني ؛ فالحماس وحده
لا يكون كافياً لإنجاح إسهام الحزب في النشاط المجتمعي . يتصل بهذه الأهداف و الوسائل
تشجيع مبادرات الطلاب في العمل الطوعي في العطلات المدرسية الطويلة مثل المشاركة
في حملات محو الأمية ـ على سبيل المثال , و تشجيع الشباب على الانخراط في المؤسسات
الرياضية و الثقافية و الإبداعية .
و يتصل ما ورد أعلاه بالنص الدستوري الوارد
في الفصل الثاني / المبادئ و الأهداف :
التركيز على المشروعات التنموية و الخدمية
الصغيرة المرتبطة بالمجتمعات المحلية ..
فهذه مشروعات صغيرة تقوم على الجهد المباشر للمواطن
في حيه أو قريته , تشرف عليها لجان الأحياء ـ لا كالمشروعات الكبيرة التي تضطلع بتنفيذها
مستويات أعلى في الدولة .
نقف أيضاً عند (نشر ثقافة السلام) الواردة
ضمن وسائل تحقيق مبادئ و أهداف الحزب . المبدأ الأعلى و المباشر لتعزيز السلام هو الرفض
المبدئي لحمل السلاح , و هو ما يؤكده الحزب بكل قوة . و يبرهن على صحة رؤيته
بالتنبيه للآثار الكارثية للحرب التي تفوق كثيراً آثار المظالم التي يبرر بها حملة
السلاح خيارهم العنيف ؛ حيث يؤكد حزب الأشقاء أن الحل السياسي يظل الخيار
الأفضل بما لا يقارن مع غيره .
يدعو حزب الأشقاء دوماً إلى تعزيز ثقافة السلام
, و مقاومة ثقافة الكراهية , و ذلك بالتوعية بأخطار التعصب القبلي و الديني و
المذهبي , و إزالة أوهام التفوق القبلي أو الاستعلاء العرقي , والتأكيد على حرية
الجميع في اعتناق أية ديانة أو مذهب بلا تعصب , و ذلك بالتأكيد على حق الجميع في
حرية الاعتقاد , بدون أن يتبع ذلك تحقير معتقدات الآخرين , الشيء الذي يضمن عدم
تعرض أي فرد أو جماعة للاضطهاد أو الإساءة أو السخرية بسبب الهوية الدينية أو
المذهبية .
يندرج تحت تعزيز ثقافة السلام تصحيح مفاهيم شعبية عن الفروسية , حيث تشيع في
مجتمعنا أغاني تمجد القتل و السلب و النهب بمفاهيم مغلوطة عن قيم الفروسية و الشجاعة
..
تتعزز ثقافة السلام أيضا بتوعية المواطن
بحقوقه مع التأكيد على نيل الحقوق عبر الوسائل القانونية بلا حاجة للعنف ..
يقابل هذا الخيار بديل مرفوض هو التحريض و الذي يورث البغضاء و يشحن المحرض , فيقدم
على العنف و التخريب . لذا يرفع الحزب شعاره (توعية لا تحريض) .
إلحاقا بنشر ثقافة السلام , يرى حزب
الأشقاء ضرورة خلق وسائل للتواصل والتعارف بين مكونات الشعب السوداني في مختلف
أنحاء الوطن , حيث يُلاحظ ضعف التواصل , مما يقود إلى جهل كل جماعة و جهة بثقافات
الجماعات الأخرى , الشيء الذي جعل الشعب السوداني يبدو و كأنه شعوب متعددة و
مختلفة . لذا يسعى الحزب لتكوين و رعاية (جمعية الصداقة السودانية) التي
تعمل على تحقيق قدر أكبر من التمازج القومي من خلال الرحلات المشتركة و المتبادلة
بين شباب الوطن في مختلف أنحائه , و تنظيم المهرجانات المشتركة , و غير ذلك من
الوسائل المفضية إلى التعارف و التقارب .
من المهددات الخطيرة للسلام ظاهرة العنف الطلابي المقلقة التي أصبحت سمة لازمة للنشاط الطلابي .
تنامي الظاهرة في وسط يفترض فيه ارتفاع درجة الوعي يعني بوضوح أن فهم الطلاب
لواجبهم الوطني يشوبه اختلال خطير ـ نتاجاً لتربية حزبية ضارة , إذ يقدم الطلاب
على العنف و التخريب و هم يظنون أنهم يحسنون صنعاً .
انطلاقا من هذه الملاحظة التي نزعم دقتها ,
يقدم حزب الأشقاء رؤيته التي ترتكز
أولاً على التأكيد على أن النشاط السياسي في الجامعات ليس هو الأصل في رسالة
الجامعة كمؤسسة تعليمية أكاديمية . و عليه يحدد لهذا النشاط ـ الذي يقصد به
صقل شخصية الطلاب , حدود لا يتعداها معيقاً لدور الجامعة الأصيل , كما يحدث اليوم
في الجامعات ؛ حيث منحت التنظيمات السياسية الطلابية نفسها حق تنظيم أنشطتها
المتعارضة مع برامج المحاضرات , و حق تعطيل الدراسة و التدخل في نظام الامتحانات ,
و بلغ الاختلال في فهم الطلاب لحدود دورهم الوطني أنهم لا يرون باساً في فرض رؤاهم
السياسية بالعنف , و لو أدى ذلك لإحراقهم المكتبات و إتلافهم المعامل , و قتلهم
بعضهم بعضاً .
لقد استفحلت الظاهرة مما يستدعي إعادة
التأكيد على دور الجامعة و عدم منح أية جهة ثغرة تهديد هذا الدور و هذه الرسالة
بذرائع مثل حق الطلاب في الدور الوطني الذي ابتذل ابتذالا مؤسفا ـ كما توضح
الأمثلة المذكورة ..
يقرن
حزب الأشقاء رؤيته بالعمل , و ذلك بإلزام عضويته بالتقيد التام بالضوابط
التي تحمي رسالة الجامعة الأصيلة في رفد الوطن بخبراء في مختلف التخصصات يعملون
على الارتقاء بوطنهم و قد تسلحوا بالعلم و المعرفة .. و عليه , لا يكلف الحزب عضويته من الطلاب
بالمهام الحزبية الكبرى , كما تفعل كثير من الأحزاب التي تخلت قياداتها و
عضويتها خارج الجامعات عن مسئولياتها الجسام , ملقية بجل المسئولية الوطنية على
كاهل صغار الطلاب .
من شذرات موحيات دستور الحزب , نقف عند ملمح
تنظيمي خاص بالأمانة العامة , حيث يشير الدستور إلى خصوصية موقعي أمين التنظيم
و الأمين السياسي اللذين يختارهما الأمين العام بعد التشاور مع رئيس الحزب و
نائب الأمين العام . ثم يقوم الأمينان باختيار أمناء بقية الأمانات بعد التشاور مع
الأمين العام . هذا التراتب يجعل أمين التنظيم و الأمين السياسي معاونين للأمين
العام في الإشراف و متابعة بقية الأمانات , كمهمة إضافية إلى جانب مسئوليتهما
المباشرة عن الأمانتين الكبيرتين .
إشارة الدستور إلى نشر ثقافة الديمقراطية
كملمح سياسي تعني بالضرورة أن يلزم الحزب نفسه إلزاماً صارماً بالديمقراطية
الداخلية , فلا يُمس حق عضوية الحزب في إبداء الآراء بكل حرية , و في توجيه
النقد الموضوعي لما يراه العضو ضعفاً أو خطأ في أداء أجهزة الحزب ـ كل حسب موقعه
التنظيمي .. و الالتزام التام بالشفافية , و بالانتخاب كوسيلة وحيدة لاختيار أجهزة
الحزب .
و يعمل أعضاء الحزب على نشر هذه الثقافة في
كل مؤسسة ـ غير الحزب , ينشطون فيها , مثل الأندية و النقابات و الاتحادات و
المنظمات و غيرها .
هذه قراءة ثانية مهمة لدستور الحزب حتى لا
يكتفي العضو بالوقوف عند ظاهر النص ـ رغم ما يمثله ظاهر النص من أهمية , و يرتاد
آفاقاً أرحب حيث المعاني المستوحاة التي لا تقل أهمية عن الموجهات المباشرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.